الاثنين، 3 أكتوبر 2011

تشكيل المجلس الوطني السوري للمعارضة

تشكيل المجلس الوطني للمعارضة يضع سوريا في مفترق الطرق .. بقلم: عبد المالك حمروش






ما هو ملفت للنظر حاليا في تطورات الوضع السوري هو نشأة المجلس الوطني الموحد للمعارضة وبداية أعمال مسلحة وانشقاقات متنامية في الجيش وبداية تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتصاعد الإصرار الشعبي على التخلص من النظام الذي اختار المواجهة الدامية مع الشعب وقمعه بكل الطرق واستعمال القوة الغاشمة العمياء لذلك..وبالتالي وصول المواجهة إلى نقطة اللارجوع وبلوغ مفترق الطرق التي لن يطول التوقف عندها فالأحداث متسارعة والكل في عجلة من أمره ولا مجال للانتظار ..

المجلس الوطني الموحد:بعد أخذ ورد ومخاض عسير أمكن للمعارضة بكل أطيافه بمن فيها الخارجية ولجان التنسيق الميدانية من تكوين المجلس الوطني مستفادا في ذلك من التجارب السابقة في البلدان الأخرى وخاصة منها ليبيا واليمن الشبيهتان بالحالة السورية.. ففي كل هذا البلدان قامت ذات المحاولة لكن كانت تعاني من نقائص متفاوتة أنجحها نسبيا كان المجلس الوطني الليبي ولعل أبرز سلبياته تتمثل في محدودية تمثيله للقوى الداخلية خصوصا وهو الأمر الذي يعاني منه حاليا إلى درجة العجز عن تكوين الحكومة المؤقتة .. أما في اليمن فإن الأمر يبدو قد فشل تماما أو على الأقل تجمد, فلم نعد نسمع شيئا عن المجلس الوطني اليمني الذي نشأ ذات يوم ودون ريب فإن معضلة التمثيل هي التي أبطلت مفعوله .. كل هذه التجارب إلى جانب الوضعيات والصراعات الجارية في كل من تونس ومصر وهي بشكل أو بآخر تعود لوحدة التمثيل وشمولية المعارضة لكل الأطياف السياسية من معارضة وقوى ثورية ناشئة كان لها الدور الأساسي في قلب الأوضاع ولا زالت قادرة على التأثير في الأحداث دون أن تتهيكل وتنتظم رسميا على الساحة السياسية في صورة أحزاب أو هيئات يمكن لها المشاركة في الحياة السياسية بصفة قانونية ورسمية .. يبدو أن المجلس الوطني للمعارضة السورية قد استفاد من كل التجارب وحرص على ضم كل الأطراف الفاعلة في المعارضة الداخلية والخارجية وفي القوى المسيرة للاحتجاجات ولعل منها النوات العسكرية التي بدأت تتكون من المنشقين عن الجيش أو ما سمي الجيش الحر وأيضا بعض الأطراف القليلة التي شرعت فيما يبدو في استخدام السلاح مضطرة للدفاع عن حياتها وعرضها وكرامتها .. مثل هذا المجلس إن كان ممثلا لكل أطياف المعارضة حقا سيكون لاعبا قويا في الميدان وعقبة كأداء جادة في وجه النظام السوري المندفع دون رجعة في اتجاه المعالجة الأمنية الفظيعة بكل قسوة وإفراط مما جلب له القطيعة النهائية مع الشعب ومع معظم العالم والرسمي والشعبي مهما كانت الخلفيات لكنه هو من قدم المبررات لكل من يعمل ضده في الداخل أو الخارج بما في ذلك الأصدقاء والأشقاء السابقين .. الخلاصة هي أن المجلس الوطني للمعارضة السورية خرج إلى الوجود في أكمل صورة عرفتها الثورة العربية لحد لذلك يتظر أن يلعب دورا أكمل من سابقيه مهما كانت مسمياتهم ودرجات نجاحهم أو فشلهم .. مما يفتح الأفق على تطورات لاحقة يرجح أن تكون في صالح الثورة وضد النظام أولها العزلة الخانقة على المستوى الدولي للنظام حيث يجد المجتمع الدولي محاورا عالي الكفاءة يمكنه أن يغنيه عن التعامل على مضض مع النظام المنتحر بسلوكه المشين.
الحرب الأهلية: هناك استقطاب ملحوظ دعمه تشكيل المجلس الوطني للمعارضة يتمثل في الانشقاقات المتزايدة في الجيش بشكل يومي وبتسارع لافت للنظر وهي خطوة في منتهى الخطورة وكانت منتظرة منذ البداية بل تعتبر متأخرة .. ذلك أن سيلان الدم أنهارا لا يمكن لذي شعور وطني بريء من الشبهات أن يتحمله طويلا, فبالرغم من الطبيعة الطائفية والعائلية للجيش السوري على الأقل في قياداته كما هو الأمر تقريبا مع فروق ليست جوهرية بالنسبة للجيشين اليمني والليبي إلا أن الجمهور الكبير للجيش المتكون من الجنود وضباط الصف وصغار الضباط لا يمكن تصور تورطهم في الفساد والانتفاع بالمال العام كما هو الأمر في القيادات العليا التي هي زيادة على ذلك ذات ارتباطات عائلية وطائفية بالنظام .. لا يمكن أن يطول الأمر كثيرا حتى يبلغ تأثير سفك الدماء درجة لا تطاق عند الأغلبية الساحقة من أفراد الجيش المشار إليهم .. وهكذا تبدأ الانشقاقات حيث يصير أي مصير صعب يمكن أن يتعرضوا إليه أهون من قتل مواطنيهم أو تعذيبهم والتنكيل بهم والاعتداء على شرفهم وممتلكاتهم .. مثل تلك الممارسات لا يمكن تحملها لوقت طويل ومن المستغرب حقا أنه تأخرت لمدة سبعة أشهر كاملة لأسباب معروفة لكنها غير مبررة تبريرا كافيا لهذا التأخر.. المهم أن هناك قوة مسلحة آخذة في النمو من هؤلاء ومن عناصر أخرى بدأت لا تطيق البقاء في الوضع السلمي أمام المعاناة الرهيبة .. غير أنه من المتوقع بسبب الطبيعة الطائفية للنظام والعائلية وللجيش عامة أن يحافظ النظام مهما كانت الظروف على قسم معتبر من الجيش لا يتصور انشقاقه عنه أو تمرده عليه, مما يجعل القوتين متقاربتين في العدد على الأقل, ومن ثم تصبح المواجهة واردة بشكل قوي وقد يطول أمده مما يجعلها في النهاية حربا أهلية ضارية لا تبقي ولا تذر والعياذ بالله .. ولو أن مثل هذه الحرب المحتملة لا يتصور استمرارها طويلا لأنها ستفضي إلى توازن في القوى يمكن أن يعرض البلاد بجدية للانقسام, وفي ذات الوقت سيضعف كل الأطراف مما قد يجعل الانهيار التام للنظام واردا وحينئذ ستقع تداعيات خطيرة لا ريب وقد يكون المجلس الوطني الناشيء في هذه الحالة هو المنقذ المنتظر لمنع الانقسام والتفتيت للوطن, وبالتالي وقف الحرب الأهلية في بداياتها والحلول محل النظام القائم بدعم جهوي إقليمي ودولي للمحافظة على التوازن الذي يلعبه الوضع السوري المستقر لفائدة كل الأطراف وعلى رأسهم الكيان الصهيوني, وإذا فإن فرضية الحرب الأهلية واردة لكنها ستوقف في بداياتها ليتسلم المجلس الوطني للمعارضة الحكم في مرحلة مؤقتة كما هو الأمر في ليببيا في انتظار قيام الحالة الديمقراطية الدائمة والمنتظرة.

التدويل: إذا انزلقت الأمور إلى مواجهات تنذر بالحرب الأهلية أو ساءت الأوضاع الإنسانية وأفرط النظام أكثر في استعمال القوة والقهر فإن المجتمع الدولي لا يمكن ان يظل متفرجا إلى ما لا نهاية, وإن كانت سلبيته لحد الآن ليست بسبب الموقف الروسي وبعض الدول الأخرى بدرجة أقل فلم يكن لهؤلاء في يوم من الأيام القدرة على إيقاف ما يريده الغرب, هذا الغرب الذي كان راضيا على النظام السوري كغيره من النظم العربية لأنه يدور في فلكه ويقوم بكفاءة بالدور الذي يحدده الغرب له, لهذا فإن المجتمع الدولي كما يحلو لهم وصفه للتنكر من ورائه لا زال يأمل في انتصار النظام السوري وعودته إلى القيام بدوره المعهود في صالح الغرب والكيان الصهيوني وحلفائهم في المنطقة بل في العالم كله .. تماما كما فعلوا مع المطاح بهم ومع طاغية اليمن وحتى تلك النظم التي هي مرشحة أكثر من غيرها لاندلاع الثورة عليها, إنهم يعطونهم الفرصة كاملة ويماطلون وينافقون بالتظاهر بأنهم ضدهم بينما يشجعونهم سرا على مواصلة القمع وارتكاب المجازر والفظائع طمعا في إيقاف الثورة او على الأقل عرقلتها وتحريفها عن أهدافها لكي لا تصل إلى الانتقال الديمقراطي التام الذي يضيع مصالح الغرب والكيان الصهيوني تماما مثل النظام العربي القائم .. لكن هناك حدودا لا يمكن للغرب أن يتجاوزها خوفا من شعوبه ومن فقدان الثقة والتعامل نهائيا مع الشعوب العربية إن هي استلمت السلطة, لذلك فإن الغرب يناور وينافق لكنه عندما يرى الأمور قد بلغت الخط الأحمر فإنه يتدخل حتما تحت غطاء المجتمع الدولي كما فعل في ليبيا وكما يوشك أن يفعل في اليمن بعد عودة الطاغية حاقدا ليعلن حرب إبادة على شعبه .. وهو أمر مرفوض للأسباب المذكورة وغيرها, ومفضي حتما إلى التدويل, وهو وضع لاريب سلبي ومضر بالوطن ولذلك تعلن جميع الأطراف الآن في سوريا معارضتها للتدويل, لكن كل الأطراف لا تستطيع أن تمنعه وقد يستحسنه بعضها عندما يتجاوز الوضع الخطوط الحمراء .. وكما قيل بحق في الوضع الليبي حينما تصل الأمور إلى الاختيار بين السرطان والعلاج الكيميائي .. أي بين نيرون ليبيا السفاح وبين الغرب ممثلا في الناتو..أما عن نتائج التدويل السيئة فلن تكون واحدة لأن ظروف كل بلد وحيثيات الصراع فيه تفرض وضعا معينا متفاوت الخطورة, لكن ما لا يمكن تجاهله هو احتمال التدويل في ذاته تبعا للتطورات الحاصلة حتى الآن.

انهيار النظام:التآكل الذي بدأ يظهر وينمو في الصورة من كل جوانبها والذي يتمثل خاصة في نشأة المجلس الوطني كهيئة سياسية ذات اعتبار وقوة وتمثيل يوجه ضربة قاصمة للنظام كونه نوعا من التمثيل الشعبي الشرعي والتنظيم السياسي البديل الذي أصبح جاهزا بالإضافة إلى الانشقاقات المتنامية بسرعة في الجيش وهوأمر يؤشر على احتمال تكوين جيش لا يستهان به ليحد من حرية الجيش الرسمي وحرية تصرفه مما قد يفضي إلى تحرر مناطق كاملة كما وقع في شرق ليبيا مما يمثل ضعفا وانكماشا عسكريا للنظام ولنفوذه الذي قد يفقد تماما في مناطق واسعة من البلاد أضف إلى ذلك من الناحية الاقتصادية لا مناص من التأثر بالوضع غير الآمن وتناقص الانتاج المحلي وأيضا المضار الاقتصادية الناجمة عن العقوبات المتزايدة فرديا وجماعيا من كثير من الدول وأهمها الغرب كله .. كل هذا سيجعل الحياة الاجتماعية جحيما متناميا مما قد يؤدي إلى وضعيات إنسانية تستوجب التدخل الأجنبي باسم المجتمع الدولي وهذا جانب من التدويل يتآزر مع التدخل العسكري والسياسي والديبلوماسي وغيره .. هذه الضغوطات والتهديدات والتآكلات المتنوعة قد تفضي بالنظام في لحظة معينة إلى العجز شبه التام عن الأداء مما يجعل الأمور تفلت من بين يديه وبالتالي يصبح عاجزا عن الاستمرار وينهار تماما وعنده قد يكون المجلس الوطني للمعارضة ولجان التنسيق الداخلية قد تهيأت للقيام بتعويضه والقيام بتسيير المرحلة الانتقالية بكفاءة متوقعة إذ أن التركيبة البشرية للمجلس الوطني الناشئ هي دون جدال أقوى من مثيلتها في ليبيا وبالتالي فهي قادرة على سد الفراغ الذي لن يحدث أبدا نظرا لوجود هذه الهيئة القادرة على تسيير شؤون البلاد في كل حين .. هذه هي الطريق التي قد تسير سوريا في واحد منها خلال الأسابيع المقبلة لأن الطريق الآخر المتمثل في استجابة النظام للمطالب الشعبية المشروع أمر أصعب من المستحيل ولا يتوقع حدوثه أبدا .. وبالتالي فإن مبررات وجود هذا النظام قد زالت نهائيا ولا بد من ظهور البديل في أقرب الآجال لأن الطبيعة كم قيل بحق تخشى الفراغ.
عبد المالك حمروش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق