الاثنين، 31 أكتوبر 2011

الثورة العربية .. هل هو المخاض العسير أو الفوضى الخلاقة؟ .. بقلم عبد المالك حمروش



الثورة العربية .. هل هو المخاض العسير أو الفوضى الخلاقة؟ بقلم عبد المالك حمروش

المخاض العسير


ما يجري على الساحة العربية سواء في البلدان الثلاثة التي أطاحت بالنظام البائد المستبد أو في الإثنتين اللتان لا زالت المعركة فيهما ضارية أو تلك التي تتململ بدرجات متفاوتة وهي كل بلدان العرب من المحيط إلى الخليج .. ينظر المتفائلون إلى الأمر على أنه طبيعي فليس من السهل حسم أمر بحجم تغيير نظام مستبد وقد يكون عميلا كل العمالة أو بدرجة ما على الأقل, والحال أنه على استعداد تام لإبادة الشعب بأكمله وحرق البلد عن آخره ليبقى هو ولو كالبومة ينعق في الخلاء الأسود .. لقد شاهدنا في مختلف الحالات كيف استعمل النظام القوة المفرطة ولم يتردد في مواجهة المتظاهرين وغيرهم بالقتل دون تمييز وبالقصف العشوائي لكل شيء بما في ذلك البيوت الآمنة واستعمال كل الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا والتي هي في الأصل مقتناة بأموال الشعب من أجل حمايته ووطنه من العدوان الخارجي .. فإذا بها لا تصلح لشيء إلا لإبادة المواطنين العزل الأبرياء المطالبين بأبسط حقوق الحياة الكريمة على أرضهم وفي بلدهم وديارهم فعد ذلك جريمة لا تغتفر يستحقون من أجلها الفناء التام .. ولكن تبقى المعركة الداخلية والصراع بين الشعب والنظام ولا وجود للأجنبي إلا على مستويات إعلامية وديبلوماسية لا تعد تدخلا خطيرا في الصراع كطرف يحسم المعركة لصالحه في النهاية .. مما يعني أن الذي يجري على الساحة هو ثورة شعبية شبابية من أجل الحرية والكرامة والعدل والديمقراطية أو ما اصطلح عليه بالتغيير وهو أمر حاصل لا محالة مهما كانت التضحيات جسيمة ومهما طال زمن الصراع .. يأتي هذا الفهم للحدث من وضع سابق بعشرات السنين سادت فيه الدكتاتورية في بلاد العرب إلى درجة التفريط في كل شيء وإهمال كل شيء وطنا وشعبا بل التنافس على العمالة للكيان الصهيوني وحماته في الغرب أمريكا وأوروبا .. وما رافق ذلك من ثورة في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال وسريان المعلومات بسرعة ودقة بين الناس في كل أنحاء المعمورة .. الأمر الذي جعل الشعوب تعي بوضوح وضعها وتبحث عن خلاصها بأي ثمن وهي في سبيل ذلك تدفع من أرواحها ودمائها وأعراضها بسخاء ودون تردد وهي بالغة غايتها مهما طال الزمن ما دامت تعمل بقاعدة "اطلب الموت تكتب لك الحياة" ذلك أنها أدركت بكل وضوح أنه لا سبيل لها إلى الحياة الكريمة غير التضحيات الجسام .. ومعلوم أن من ارتضى تقديم مثل هذه التضحيات الكبيرة لا يمكن أن يهزم ولو اجتمع عليه العالم بأسره..وهكذا يكون الانتصار في حكم الحالصل وسترفع الأعلام الدالة على ذلك قريبا على مجمل بلاد العرب كنتيجة منطقية لا ريب فيها لما يجري من مخاض عسير.

الفوضى الخلاقة


نتذكر جيدا كيف كانت الدعوة البوشية الكوندوليزية إلى إقامة الشرق الأوسط الكبير أو الجديد مقرونة بما زعموه من منهجية الفوضى الخلاقة المؤدية إلى هذا الشرق الذي يريدونه بقيادة الكيان الصهيوني بعد أن يفتتونه بفوضاهم هذه إلى كانطونات صغيرة عن طريق إشاعة الصراعات القبلية والعشائرية والطائفية والإثنية وغيرها مما يجري بالفعل بدرجات متفاوتة في كل بلد عربي منذ تلك المدة التي تزامنت خاصة مع الحرب الصهيونية الأمريكية الغربية العميلة على لبنان أو ما عرف بحرب تموز 2006م, والتي هزم فيها هذا الحلف الشرير أبشع هزيمة .. وها هو يستأنف نشاطه بقوة هذه الأيام كما يرى البعض ولا خلاف على ذلك .. لكن الخلاف هو حول هل الذي يجري على الأرض العربية ثورة حقيقية أم هو فوضى خلاقة صنعها الغرب والصهيونية ويسيرها كما يريد من أجل التفتيت ثم التقسيم ثم الهيمنة الدائمة للصهيونية وأمريكا والغرب وعملاؤهم الذين قد ينجون من هذه العملية الاستعمارية الجديدة .. مع نفي أي وجود لشيء يمكن تسميته بالثورة العربية لدى أصحاب هذا الرأي المتشائم على الأقل تجنبا للقول إنه مشبوه .. هذه النظرة تحتقر الذات العربية كما لم يحصل في التاريخ حتى في أيام الانحطاط والاستعمار والاستبداد والعمالة .. وهي من كل الوجوه ولأبسط الأسباب الإنسانية الطبيعية مرفوضة لا لتشاؤمها المفرط فحسب بل لمعاداتها للإنسانية وحكمها القاسي المستحيل على الإنسان العربي بالعجز التام بل بالشلل والجمود والغباء والسلبية المطلقة مما يجعله لقمة سائغة للحلف الشرير المشارإليه يحركه كيفما يشاء وإلى حيث يريد وهو بالغ به لا محالة عن طريق ما يجري من الفوضى الخلاقة مآربه في التشتيت والتفتيب والتقسيم والإخضاع النهائي التام إلى دولة واحدة كبرى في المنطقة هي الكيان الصهيوني ومن خلاله أمريكا والغرب وبقايا العملاء المفترض بقاؤهم خاصة في الكيانات الكانطونية الخليجية التي سبق تفتيتها وتقسيمها وتقزيمها في فترات تاريخية سابقة .. لكن هذا التفسير للثورة العربية العارمة هو إما مرضي ووهمي وصادر عن عقدة نقص محكمة وهذا في أحسن الأحوال أو هو مشبوه يتلقى الإيحاء أو الإملاء من أطراف الحلف المريد شرا بشعب العرب أو هو كل هذا .. لذلك ينبغي تسفيهه وهو كذلك بالفعل ومن ثم وجب التنبيه إلى دوره الخطير في المس بالروح المعنوية للشعوب الثائرة ومحاولة تحجيم ثورتها إن لم يمكن إجهاضها والقضاء عليها قضاء مبرما .. وإنها لحركة تعيسة ضد تيار التاريخ لذلك يتوقع لها الهزيمة النكراء التي ستصيب لا ريب أسيادها المحليين والإقليميين والعالميين من الحلف الشرير المذكور.

عبد المالك حمروش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق